لوسيل أحمد عقل
عدد المقالات : 199
عدد المشاهدات : 691572

إدارة الفعاليات.. اقتصاد ينمو

لطالما كانت التجمعات الإنسانية مصدرا هاما للاستقرار والنمو، ولطالما كانت هذه المُجتمعات تقوم على فكرة أساسية تعتمد في مبدئها الأول على أن الإنسان الفرد هو أصل الدول والاقتصاد، فلا اقتصاد بدون أفراد، ولا اقتصاد بدون حاجات وقدرات شرائية فردية، هذه الحقيقة الثابتة كانت دوما هي أصل الازدهار والتطور على هذه الأرض، فالمجتمعات الزراعية قامت وكبرت على فكرة جمع الناس واستقرارِهم في مكان واحد، والقبائل والعشائر وُجِدت لتعطي الأفراد زخما اجتماعيا وقوة اقتصادِية تتخطى قُدرات الشخص الواحد لتجتمع في تلك المجموعات قدرات أشخاص وعائلات كثيرة تتحول معها القبائل إلى مراكز ثِقل مالي وتجاري، فلا تجارة بدون أفراد ولا صناعة بدون تكاتف من العقول والأيادي، سُنة الحياة والاقتصاد على حدٍّ سواء، فكما أن الزرع يُحب الماء ويتغذى عليه فكذلك الاقتصاد ما هو إلا المُحب الأول والأهم للأعداد الكبيرة من المُستهلكين والتُجّار، حقيقة أدركها الإنسان الأول منذ وجوده فعاش ضمن انتماءات مُختلِفة يجمعها دوما شيء واحد ألا وهو الانتماء للمجموعة، نعم تلك المجموعة من الناس الذين غالبا ما كانوا ومنذ التاريخ القديم يبحثون عما يجمعهم لتبرير تعاونهم وانتمائهم لنفس المكان والظروف، احتفالات وزيارات وحتى علاقات إنسانية بالنسب والزواج ما هي غالبا إلا عبارة عن تحركات ومحاولات للبحث عما هو أكبر من الهواية والفضول أو حتى الاستكشاف والتعارف، من هنا كانت الفعاليات والتجمعات الإنسانية وهي الأحداث التي وإن كانت بتنظيم أو بدون هي بالحقيقة الصافِرة التي أطلقت الشرارة الأولى لبناء الدول والحضارات، وهنا يأتي السؤال المهم، فما هي الفعاليات؟ وكيف يتم إدارتها؟ وما هي أهم مقومات نجاحِها؟ والأهم من ذلك، ما هي آثارها ونتائجها على الناس والمجتمعات؟

أولا وقبل كل شيء فإنه من المهم جدا معرفة أن إدارة الفعاليات نفسها قد تكون أحيانا أهم من الحدث نفسه والمقصود بإدارة الفعاليات هو عملية تحليل وتخطيط وتسويق وإنتاج وتقييم إستراتيجيات ومناهج وطرق مختلفة في الترويج لمنتجات وخدمات أو أفكار بكفاءة وفعالية، وذلك بهدف تحقيق النتائج المطلوبة من هذا الحدث، حيث إن المدخل المتكامل لإدارة الفعالية يعتمد على ثلاثة أبعاد أساسية وهي التخطيط، الإعداد والإنتاج وهذا كله يندرج ضمن الخطوات الرئيسية في تنفيذ الفعاليات التي تبدأ من فهم الفكرة وتنظيم أهدافها إلى تحديد وتأمين الخدمات اللوجستية اللازمة والتي تنتهي بإدارة الفعالية نفسها والتأكد من تحقيق أهدافها بشكل صحيح، وهنا يجب التنويه إلى أن الفعاليات هي مناسبات وأحداث تجمع أشخاصا أو جهات مُختلفة في مكان محدد وذلك من أجل تحقيق هدف مُحدَّد قد يكون تسويقيا أو تعليميا أو استثماريا أو غيرها من الأهداف، هذا وقد تشمل الفعاليات العديد من الأحداث والمناسبات مثل المؤتمرات، المشاريع، المعارض، الاجتماعات، حوارات ومناقشات، تعليم، افتتاحيات، بالإضافة إلى الكرنفالات والاحتفالات وغيرها الكثير، وتبرز أهمية هذه الفعاليات في العديد من النقاط أهمها هو أنها فرصة حقيقية ومُهِمة لتبادل الخبرات والمعارف وبالتالي تطويرها عبر إشراك وجهات نظر مختلفة في التفكير والتطوير، بالإضافة إلى إمكانية استغلال موارد ومنتجات غير مُتاحة عند صاحب الفكرة أو الدراسة وذلك عبر خبرات ومعارف المشاركين من المناطق الأخرى، كما أن عملية الاستمرارية في تناقل الخبرات نفسها تُساعِد بشكل كبير في توفير الوقت والجهد لدى الباحثين المنضمين حديثا لهذا العالم، فالانطلاق من حيث وصل السابقون هو بحد ذاته عملية مهمة وأساسية لاستمرار عملية التطوير والابتكار وإلا لما كنا وصلنا لما نحن عليه الآن، كذلك فإنه ومن منطق توزُّع القوى والموارد فإن الحاجة للتكاتف والتعاون بين الدول والأشخاص هو عمل أساسي لتوفير جميع القدرات والموارد التي تساهِم في توفير جميع مُتطلبات العمل والإنتاج والتطوير، فكيف لنا أن نتحدث عن إنتاج السيارات دون وجود النفط والطاقة وكيف لنا أن ننتج الغذاء دون القمح والطحين، فما لا نعرف أهميته في منطقة ما قد يكون هو نفسه السلعة أو المادة التي يبحث عنها الكثيرون في مناطق أخرى من العالم، فاختلاف الحاجات والأذواق هو طبيعة بشرية شكَّلت عبر الزمن المحور الأساسي للتجارة والأعمال. وأخيرا وليس آخرا فإنه وبرأيي الشخصي فإن الفعاليات بحد ذاتها هي فكرة وفرصة مهمة جدا للتطور والنمو على أن تكون قائمة على مناقشة وطرح الأفكار والقضايا الهامة، فالاكتشافات والاختراعات التي ساهمت جميعها بوصول التقنية والمعرفة لما نحن عليه اليوم في جميع المجالات، قامت وتتم بالتدريج وبانتقال الخبرات والعلوم من جيل إلى آخر ومن دولة إلى أخرى، وهو الأمر الذي تم عبر العديد من الطرق أهمها عقد المؤتمرات والفعاليات والمعارض التي جابت العالم ذهابا وإيابا، وهو الأمر الذي ساعد في خلق منتجات عالمية تنتشر في جميع الأسواق وتلقى استحسان جميع المُستهلكين، وهو نفسه الأمر الذي لولاه لما تطورت العلوم وانتقلت الأفكار من مُجتمع إلى آخر، فالأعياد فعاليات والتجمعات السكانية فعاليات والنشاطات الرياضية فعاليات، وهنا أستذكر المقولة الشهيرة والتي تقول "العقول العظيمة تناقش الأفكار، العقول العادية تناقش الأحداث، العقول الصغيرة تناقش الناس".